الكاردينال كوفاكد يتحدث عن الوثيقة المجمعية "في عصرنا" في الذكرى السنوية الستين لصدورها الكاردينال كوفاكد يتحدث عن الوثيقة المجمعية "في عصرنا" في الذكرى السنوية الستين لصدورها 

الكاردينال كوفاكد يتحدث عن الوثيقة المجمعية "في عصرنا" في الذكرى السنوية الستين لصدورها

شارك عميد الدائرة الفاتيكانية للحوار بين الأديان الكاردينال جورج كوفاكاد هذا الخميس في لقاء نظمه مجلس أساقفة البرتغال في مزار سيدة فاطمة، لمناسبة الذكرى السنوية الستين لصدور الإعلان المجمعي "في عصرنا"، بشأن علاقة الكنيسة الكاثوليكية مع الديانات غير المسيحية. وألقى مداخلة تضمنت لمحة تاريخية عن الظروف التي أدت إلى صدور هذه الوثيقة، متوقفا عند أهميتها في زماننا المعاصر.

استهل نيافته كلمته معرباً عن سروره للمشاركة في هذا اللقاء الهام، مذكراً بالزيارة التي قام بها البابا الراحل فرنسيس إلى ذلك المزار في العام ٢٠٢٣، عندما تلا السبحة الوردية مع عدد كبير من المعوقين والمرضى والسجناء، وطلب من المؤمنين الصلاة على نية السلام. بعدها لفت المسؤول الفاتيكاني أن الإعلان المجمعي "في عصرنا" صادق عليه البابا بولس السادس في العام ١٩٦٥ خلال أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وقد حدد أطر علاقة الكنيسة الكاثوليكية مع الديانات غير المسيحية، مشددا على أهمية احترام ما هو حقيقي ومقدس في تلك الديانات، ومشجعاً على الحوار بين الأديان.

بعدها توقف الكاردينال كوفاكاد عند العوامل التي أدت إلى صدور هذه الوثيقة وفي طليعتها مثلٌ أساسية شأن الدفاع عن الحريات الدينية وحقوق الإنسان والاختلاط بين المؤمنين الكاثوليك وأتباع الديانات الأخرى، هذا فضلا عن أهوال المحرقة النازية، الهولوكوست، إبان الحرب العالمية الثانية، التي دفعت الكنيسة الكاثوليكية إلى إعادة النظر في علاقتها مع اليهودية. كما أن البابا يوحنا الثالث والعشرين كان يرغب في تحديث الكنيسة، ومن هذا المنطلق شاء أن يلتقي بأحد الناجين من المحرقة وهو البروفيسور جول أيساك، وقام بتشكيل لجنة فرعية يرأسها الكاردينال بيا بهدف النظر في تحسين العلاقات المسيحية – اليهودية.

هذا ثم لفت نيافته إلى أن الوثيقة ركزت في البدء على العلاقات مع اليهود، لكن سرعان ما اتسع نطاقها لتشمل الإسلام، والهندوسية والبوذية والديانات الأخرى، تجاوباً مع رغبة الأساقفة الكاثوليك في مختلف أنحاء العالم. كما أن البابا بولس السادس لعب دوراً أساسياً في تطوير الوثيقة، لاسيما من خلال الرسالة العامة Ecclesiam Suam "كنيسته" التي شددت على أهمية الحوار وأقرت بالحقائق الخلقية والروحية في المعتقدات الأخرى. من هذا المنطلق – تابع المسؤول الفاتيكاني يقول – شكلت وثيقة في عصرنا تحولاً بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، وشجعت على تعزيز الاحترام والحوار والتعاون بين جميع الديانات. وأفضت إلى إنشاء لجنتين للحوار الديني مع اليهود ومع المسلمين. كما مهدت الطريق أمام زيارات قام بها البابوات إلى المجامع اليهودية والمساجد، وأمام مبادرات شأن اليوم العالمي للصلاة من أجل السلام في أسيزي عام ١٩٨٦ ووثائق هامة، لاسيما وثيقة الأخوة الإنسانية الصادرة عام ٢٠١٩.

بعدها سلط الكاردينال كوفاكاد الضوء على الإسهام الذي قدمه البابوات على هذا الصعيد، كل على طريقته الخاصة، مشيرا إلى أن بولس السادس أدخل عبارة حوار وأنشأ مؤسسات للحوار بين الأديان، فيما عمل يوحنا بولس الثاني على تعزيز السلام والوحدة بين الأديان لاسيما من خلال زياراته الرسولية العديدة. أما بندكتس السادس عشر فقد شدد على أهمية الحقيقة والمحبة في الحوار، فيما عمل البابا فرنسيس على دفع مبادئ الأخوة والصداقة بين الأديان والتعاون الدولي. والبابا الحالي لاون الرابع عشر يواصل الإرث الذي تركه أسلافه ساهراً على بناء الجسور من خلال الحوار.

في ختام مداخلته توقف المسؤول الفاتيكاني عند أهمية هذه الوثيقة بالنسبة لعالمنا اليوم، وقال إنها تكتسب أهمية كبرى في هذا الزمن المطبوع بالحروب والاضطهاد الديني وظاهرة كره الأجانب، مسلطا الضوء على ضرورة أن تستمر الكنيسة في تعزيز السلام والعدالة والتضامن من خلال الحوار بين الأديان، الذي هو حاجة أساسية لمستقبل البشرية. وذكّر بأن الحوار يبدأ من خلال اللقاء الشخصي، وقد قدم لنا البابا فرنسيس مثالا على ذلك من خلال علاقات الصداقة التي أقامها مع قادة مختلف الديانات. وشدد الكاردينال كوفاكاد على أننا مدعوون اليوم إلى معاملة الآخرين كأخوة وأخوات، واحترام كرامتهم البشرية، لافتا إلى أهمية أن تستخدم الديانات مواردها الروحية لتعزز العدالة والسلام والمصالحة والاعتناء بالخليقة.      

16 أكتوبر 2025, 14:23